تواجه المجتمعات الإسلامية في المرحلة الراهنة تحديات عديدة على كل المستويات التنموية؛ مثل محاربة الفقر والبطالة ومكافحة الأمراض والإدمان بأنواعه وسلامة البيئة، وامتلاك التقنيات اللازمة للتحديث. وهي تحديات ليست بجديدة على العالم الإسلامي، وربما تعود إرهاصاتها الأولى إلى نهايات القرن التاسع عشر، أو بدايات حملة نابليون على مصر التي نهض بمواجهتها الإصلاحيون الأوائل.
ولكن هذه التحديات بدت في الآونة الأخيرة وكأنها مستعصية على المواجهة أو الحلول، بسبب الصراع الفكري والطائفي الذي طغى على سطح الوعي الإسلامي في الوقت الراهن، وهو ما صرف الأمة عن جهود استكمال هُويتها الإسلامية المعاصرة ودفع بها إلى الشقاق والافتراق واستقواء كل طرف بمن يعينه، ويحتضنه ولو على حساب مصلحة الأمة ومصيرها؛ فضعفت الثقة وغابت أجواء الأمن والطمأنينة، وابتعدت المجتمعات الإسلامية عن حقيقة الجسد الواحد المتراحم المتآزر المتعاون على البر والتقوى. وهي ظواهر تُسأل مؤسسات الأمة عن سبب استفحالها مقابل ضمور قيم المحبة والتعايش والسلم في المجتمعات الإسلامية مع كونها من أمهات القيم في سلم المقاصد الشرعية، ومن مقومات الاستقرار والبناء في سنن المجتمع البشري.
ويزيد من ثقل المسؤولية وضرورة الإسراع بالاستجابة لهذه التحديات تطور هذه الصراعات في العقد الأخير، وتسارع وتيرتها حتى أضحى أثرها الواقع والمتوقع على الأمة في غاية الخطورة، وتتجسد في خمسة أبعاد هي التالية:
أولاً: البعد النوعي المتمثل في درجة العنف غير المسبوق الذي لم يستثن أي نوع من الأسلحة، بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل، التي يستعملها أبناء الوطن الواحد بعضهم ضد بعض.
ثانياً: البعد المكاني المتمثل في الاتساع والانتشار، الذي شمل رقعة واسعة من البلاد العربية والإسلامية، والمرشح لشمول مناطق أخرى.
ثالثاً: البعد الزمني، حيث إن هذه النزاعات أصبحت في استمرارها وديمومتها وكأنها أمر معتاد، لا تلوح له نهاية في الأفق.
رابعاً: البعد الفكري والنفسي، وهو بعد يغذي الأبعاد الثلاثة السالفة، حيث أفرزت هذه الفتنة أشد الأفكار تطرفاً، وأكثر الفتاوى شذوذاً وأشد الآراء تعصباً وتحريضاً، فاشتعلت الساحة بكم هائل من فتاوى التكفير والتضليل والاتهام بالفسق وإثارة البدع، فاستبيحت الدماء، ولم يعد للشرعية في الطاعة وصيانة الدماء وتجنب شق عصا الأوطان مكان، بل استبدلت بها دعوى الجهاد في غير محله، والنهي عن منكر بغير ضوابطه، مما يؤدي إلى ما هو أنكر.
خامساً: البعد الدولي، حيث أدى كل ما سبق إلى تشويه صورة الإسلام عالمياً، وكاد دين الرحمة والرشد، أن يوصف بأنه "دين إرهاب" إلى درجة أن بعض المتطرفين أضحوا يقترحون أن يحاكم الإسلام وأهله تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة!.
إن هذه الصورة البشعةالمأساوية، بالتأكيد لا تمثل حقيقة الإسلام دين المحبة والإنسانية، الذي أسس لقيم العدل والتسامح والشورى والرحمة والإحسان والوئام.
من هنا يأتي دور المنتدى العالمي "تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، الذي تستضيفه أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل سنوي، والذي يعد من أهم المنتديات في العالم الإسلامي. ويناقش المنتدى الإشكاليات والقضايا الإنسانية المحدقة بالإنسان في عالم اليوم، والتي نجمت عن الصراعات الفكرية والطائفية في المجتمعات المسلمة، بسبب استقواء كل طرف بمن يعينه ويحتضنه على حساب مصلحة الأمة.
ويشارك في "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"المئات من العلماء والمفكرين الإسلاميين من مختلف أنحاء العالم، من أجل الاجتماع على موقف موحد لمواجهة الاضطرابات وأعمال العنف في العالم الإسلامي، التي لم تدع أي نوع من الأسلحة إلا واستخدمته في الصراعات الدائرة، دون أن ترعى حرمة أو ترقب ذمة.
ويأتي هذا المنتدى كجهدٍ متميزٍ لتبديد عوارض الحذر والتخوف والريبة، وكاستهلال لمشروع يمضي بخطوات واثقة لترسيخ كل ما يتجلى في ديننا الحنيف من مظاهر السلم والأمن والأمان والانفتاح على الآخر.